د. أحمد يعقوب المجدوبة
قبل عقود شاع في مجتمعنا استخدام مصطلح «الطابور الخامس»، والذي يشير إلى مجموعة أو أكثر تعمل ضد أمن الوطن واستقراره لصالح دول أو مجموعات من خارجه طامعة فيه.
يبدو أن شبح الطابور الخامس قد عاد إلينا من جديد، ربّما في قالب مختلف بعض الشيء، ليمارس أدواره السلبيّة الهدميّة إياها.
ومصطلح الطابور الخامس تعود جذوره إلى الحرب الإسبانية وبالذات إلى عام 1936 عندما حاصر الجنرال إميليو مولا مدريد وكان يُعوّل على سقوطها ليس بسبب طوابير جيوشه الأربعة التي كانت تحاصرها، بل بسبب «طابور خامس» من الموالين له في الداخل يعملون بخفية على إسقاط الحكومة الديمقراطية.
وأصبح المصطلح فيما بعد يطلق على أية مجموعة تعمل ضد مجموعة أكبر أو ضد دولة لصالح أعدائها.
هذان هما المعنيان الفنيان للمصطلح.
أما فيما يخصنا اليوم، فإن المصطلح يشير إلى تعاظم ظاهرة الانتقادات السلبية، العدميّة الهدميّة، التي يحمل لواءها العديد من الأفراد والمجموعات في مجتمعنا، عن قصد أو جهل، وبالذات في وسائل التواصل الاجتماعي، للتشكيك في المبادرات والتقليل من الإنجازات، والنيل من الثوابت، واغتيال الشخوص، وإضعاف المؤسسات، وإثارة الفتن والنعرات، وغيرها من أفعال لا تصب إلاّ في صالح أعداء الوطن والقوى التي تستهدفه.
ومن هنا القول إن أفعال هؤلاء لا يمكن رؤيتها إلا ضمن سياق أفعال الطابور الخامس.
وهنالك فرق كبير بالطبع بين النقد والمعارضة من ناحية، وبين التشويه والتشويش والتقويض والهدم من ناحية أخرى.
فالنقد الإيجابي ليس مشروعاً ومرحباً به فحسب، بل هو ضروري ومطلوب، ويُسهم إيجاباً في التنمية والتطور والازدهار. لا بل إنّ غيابه يعدّ أمراً سلبياً وغير مقبول.
والشي ذاته ينطبق على الاختلاف في الرأي وعلى قوى وأحزاب المعارضة والتي يُعتبر وجودها ضرورياً لدينامية العملية السياسية وصحتها ونجاعتها ونجاحها. فعملية سياسية تخلو من الاختلاف في الرأي ومن أحزاب معارضة قوية وفاعلة هي عملية منقوصة.
أما التشكك والازدراء والاستهزاء والهجاء والتشويش والتشويه فهي معاول هدم لا ينجم عنها شيء إيجابي قط، وإذا ما ترك لممارسيها الحبل على الغارب، فسوف يحصل – لا قدّر الله – ما لا يحمد عقباه، وقد يكون الثمن التأثير سلباً على استقرار المجتمع وعلى أمنه وتقدّمه وتطوره.
وفي وقت ننشد فيه جميعاً حياة أفضل، قوامها القضاء على الفقر والبطالة وزيادة النمو وتطوير التعليم والخدمات في القطاعات المختلفة، فآخر ما نريد كلاماً مسموماً غير مسؤول، وأفعالاً غاية في السلبية والعدمية.
ومن هنا فلا بد من التصدي لهذه الموجة الجديدة من «الطابور الخامس» بكل ما أؤتينا من علم وتعليم، ومن ثقافة وتثقيف – فالكثير ممن يمارسون هذه الممارسات يفعلونها عن جهل وحماقة – ثم إذا لم يرعووا ويرتدعوا فبقوة القانون.
آخر ما نريد ممارسات قاتلة كهذه تصب في صالح المتربصين بنا، المتكالبين على منطقتنا بهدف احتلالها وتمزيقها واستغلالها؛ ولا يتأتى ذلك لهم إلا بإثارة الفتن بيننا وإضعاف لحمتنا واستهداف استقرارنا، ثم تفتيتنا على مبدأ فرّق تسد؛ ويجد هؤلاء في السلبيين والعدميين عندنا النصير والحليف الأول.
كلكم تعرفون من هي القوى الطامعة، من داخل الإقليم وخارجه، فلا تصطفّوا في طوابيرها.